فصل: سورة القدر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



والتشنيع والتعجيب واضح في طريقة التعبير، التي تتعذر مجاراتها في لغة الكتابة. ولا تؤدّى إلا في أسلوب الخطاب الحي. الذي يعبر باللمسات المتقطعة في خفة وسرعة!
{أرأيت}؟ أرأيت هذا الأمر المستنكر؟ أرأيته يقع؟ {أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى}.
أرأيت حين تضم شناعة إلى شناعة؟ وتضاف بشاعة إلى بشاعة؟ أرأيت إن كان هذا الذي يصلي ويتعرض له من ينهاه عن صلاته.. إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى؟ ثم ينهاه من ينهاه. مع أنه على الهدى، آمر بالتقوى؟.
أرأيت إن أضاف إلى الفعلة المستنكرة فعلة أخرى أشد نكراً؟ {أرأيت إن كذب وتولى}.
هنا يجيء التهديد الملفوف كما جاء في نهاية المقطع الماضي: {ألم يعلم بأن الله يرى} يرى تكذيبه وتوليه. ويرى نهيه للعبد المؤمن إذا صلى، وهو على الهدى، آمر بالتقوى.
يرى. وللرؤية ما بعدها! {ألم يعلم بأن الله يرى}.
وأمام مشهد الطغيان الذي يقف في وجه الدعوة وفي وجه الإيمان، وفي وجه الطاعة، يجيء التهديد الحاسم الرادع الأخير، مكشوفاً في هذه المرة لا ملفوفاً: {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية}.
إنه تهديد في إبانه. في اللفظ الشديد العنيف: {كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية}.
هكذا {لنسفعن} بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه. والسفع: الأخذ بعنف. والناصية: الجبهة. أعلى مكان يرفعة الطاغية المتكبر. مقدم الرأس المتشامخ: إنها ناصية تستحق السفع والصرع: {ناصية كاذبة خاطئة}! وإنها للحظة سفع وصرع. فقد يخطر له أن يدعو من يعتز بهم من أهله وصحبه: {فليدع ناديه} أما نحن فإننا {سندع الزبانية} الشداد الغلاظ.. والمعركة إذن معروفة المصير!
وفي ضوء هذا المصير المتخيل الرعيب.. تختم السورة بتوجيه المؤمن الطائع إلى الإصرار والثبات على إيمانه وطاعته..
{كلا لا تطعه واسجد واقترب.}
كلا! لا تطع هذا الطاغي الذي ينهى عن الصلاة والدعوة. واسجد لربك واقترب منه بالطاعة والعبادة. ودع هذا الطاغي. الناهي. دعه للزبانية!
ولقد وردت بعض الروايات الصحيحة بأن السورة عدا المقطع الأول منها قد نزلت في أبي جهل إذ مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند المقام. فقال (يا محمد. ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده. فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره..) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخناقه وقال به: {أولى لك ثم أولى} فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً، فأنزل الله: {فليدع نادية...} وقال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. ولكن دلالة السورة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله. وكل طاغ باغ ينهى عن الصلاة، ويتوعد على الطاعة، ويختال بالقوة.. والتوجيه الرباني الأخير {كلا لا تطعه واسجد واقترب}..
وهكذا تتناسق مقاطع السورة كلها وتتكامل إيقاعاتها..

.سورة القدر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال. ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى. ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة ذات الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعاً. العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري: {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر}.. {ليلة القدر خير من ألف شهر}..
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف وتنير. بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود. نور الله المشرق في قرآنه: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى:
{تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من أكل أمر}.. ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقاً مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفوف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود: {سلام هي حتى مطلع الفجر}..
والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم} والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان، كما ورد في سورة البقرة: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ليبلغه إلى الناس. وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء.
وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة. بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان. وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين. وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة. وبعضها يطلقها في رمضان كله. فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار.
واسمها: {ليلة القدر}.. قد يكون معناه التقدير والتدبير. وقد يكون معناه القيمة والمقام. وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم. حدث القرآن والوحي والرسالة.. وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود. وليس أدل منه كذلك على التقدير والتدبير في حياة العبيد. وهي خير من ألف شهر. والعدد لا يفيد التحديد. في مثل هذه المواضع من القرآن. إنما هو يفيد التكثير. والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر. فكم من آلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحولات.
والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري: {وما أدراك ما ليلة القدر} وذلك بدون حاجة إلى التعلق بالأساطير التي شاعت حول هذه الليلة في أوهام العامة. فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن. وإضافة هذا النور على الوجود كله، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية، وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وتصور وشريعة وآداب تشيع السلام في الأرض والضمير. وتنزيل الملائكة وجبريل عليه السلام خاصة، بإذن ربهم، ومعهم هذا القرآن باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا المهرجان الكوني، الذي تصوره كلمات السورة تصويراً عجيباً..
وحين ننظر اليوم من وراء الأجيال المتطاولة إلى تلك الليلة المجيدة السعيدة، ونتصور ذلك المهرجان العجيب الذي شهدته الأرض في هذه الليلة، ونتدبر حقيقة الأمر الذي تم فيها، ونتملى آثاره المتطاولة في مراحل الزمان، وفي واقع الأرض، وفي تصورات القلوب والعقول.. فإننا نرى أمراً عظيماً حقاً. وندرك طرفاً من مغزى هذه الإشارة القرآنية إلى تلك الليلة: {وما أدراك ما ليلة القدر}..
لقد فرق فيها من كل أمر حكيم. وقد وضعت فيها من قيم وأسس وموازين. وقد قررت فيها من أقدار أكبر من أقدار الأفراد. أقدار أمم ودول وشعوب. بل أكثر وأعظم.. أقدار حقائق وأوضاع وقلوب!
ولقد تغفل البشرية لجهالتها ونكد طالعها عن قدر ليلة القدر. وعن حقيقة ذلك الحدث، وعظمة هذا الأمر. وهي منذ أن جهلت هذا وأغفلته فقدت أسعد وأجمل آلاء الله عليها، وخسرت السعادة والسلام الحقيقي سلام الضمير وسلام البيت وسلام المجتمع الذي وهبها إياه الإسلام. ولم يعوضها عما فقدت ما فتح عليها من أبواب كل شيء من المادة والحضارة والعمارة. فهي شقية، شقية على الرغم من فيض الإنتاج وتوافر وسائل المعاش!
لقد أنطفأ النور الجميل الذي أشرق في روحها مرة، وانطمست الفرحة الوضيئة التي رفت بها وانطلقت إلى الملأ الأعلى. وغاب السلام الذي فاض على الأرواح والقلوب. فلم يعوضها شيء عن فرحة الروح ونور السماء وطلاقة الرفرفة إلى عليين..
ونحن المؤمنين مأمورون أن لا ننسى ولا نغفل هذه الذكرى؛ وقد جعل لنا نبينا صلى الله عليه وسلم سبيلاً هيناً ليناً لاستحياء هذه الذكرى في أرواحنا لتظل موصولة بها أبداً، موصولة كذلك بالحدث الكوني الذي كان فيها. وذلك فيما حثنا عليه من قيام هذه الليلة من كل عام، ومن تحريها والتطلع إليها في الليالي العشر الأخيرة من رمضان.. في الصحيحين: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» وفي الصحيحين كذلك: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
والإسلام ليس شكليات ظاهرية. ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيام في هذه الليلة أن يكون «إيماناً واحتساباً».. وذلك ليكون هذا القيام استحياء للمعاني الكبيرة التي اشتملت عليها هذه الليلة إيماناً وليكون تجرداً لله وخلوصاً واحتساباً.. ومن ثم تنبض في القلب حقيقة معينة بهذا القيام. ترتبط بذلك المعنى الذي نزل به القرآن.
والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وإيضاحها وتثبيتها في صورة حية تتخلل المشاعر ولا تقف عند حدود التفكير.
وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك. وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة، وعن غير طريقها، لا يقر هذه الحقائق، ولا يحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة..
وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيماناً واحتساباً، هو طرف من هذا المنهج الإسلامي الناجح القويم.

.سورة البينة:

.تفسير الآيات (1- 8):

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}
هذه السورة معدودة في المصحف وفي أكثر الروايات أنها مدنية. وقد وردت بعض الروايات بمكيتها. ومع رجحان مدنيتها من ناحية الرواية، ومن ناحية أسلوب التعبير التقريري، فإن كونها مكية لا يمكن استبعاده. وذكر الزكاة فيها وذكر أهل الكتاب لا يعتبر قرينة مانعة. فقد ورد ذكر أهل الكتاب في بعض السور المقطوع بمكيتها. وكان في مكة بعض أهل الكتاب الذين آمنوا، وبعضهم لم يؤمنوا. كما أن نصارى نجران وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة وآمنوا كما هو معروف. وورد ذكر الزكاة كذلك في سور مكية.
والسورة تعرض عدة حقائق تاريخية وإيمانية في أسلوب تقريري هو الذي يرجح أنها مدنية إلى جانب الروايات القائلة بهذا.
والحقيقة الأولى هي أن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت ضرورية لتحويل الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين عما كانوا قد انتهوا إليه من الضلال والاختلاف، وما كانوا ليتحولوا عنه بغير هذه البعثة:
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة}..
والحقيقة الثانية: أن أهل الكتاب لم يختلفوا في دينهم عن جهالة ولا عن غموض فيه، إنما اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم وجاءتهم البينة: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة}.
والحقيقة الثالثة: أن الدين في أصله واحد، وقواعده بسيطة واضحة، لا تدعو إلى التفرق والاختلاف في ذاتها وطبيعتها البسيطة اليسيرة: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.
والحقيقة الرابعة: أن الذين كفروا بعد ما جاءتهم البينة هم شر البرية، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية. ومن ثم يختلف جزاء هؤلاء عن هؤلاء اختلافاً بيناً:
{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيهآ أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزآؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه}..
وهذه الحقائق الأربع ذات قيمة في إدراك دور العقيدة الإسلامية ودور الرسالة الأخيرة. وفي التصور الإيماني كذلك. نفصلها فيما يلي:
{لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة فيها كتب قيمة}.
لقد كانت الأرض في حاجة ماسة إلى رسالة جديدة. كان الفساد قد عم أرجاءها كلها بحيث لا يرتجى لها صلاح إلا برسالة جديدة، ومنهج جديد، وحركة جديدة. وكان الكفر قد تطرق إلى عقائد أهلها جميعاً سواء أهل الكتاب الذين عرفوا الديانات السماوية من قبل ثم حرفوها، أو المشركين في الجزيرة العربية وفي خارجها سواء.
وما كانوا لينفكوا ويتحولوا عن هذا الكفر الذي صاروا إليه إلا بهذه الرسالة الجديدة، وإلا على يد رسول يكون هو ذاته بينة واضحة فارقة فاصلة: {رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة}.. مطهرة من الشرك والكفر {فيها كتب قيمة}.. والكتاب يطلق على الموضوع، كما يقال كتاب الطهارة وكتاب الصلاة، وكتاب القدر، وكتاب القيامة، وهذه الصحف المطهرة وهي هذا القرآن فيها كتب قيمة أي موضوعات وحقائق قيمة..
ومن ثم جاءت هذه الرسالة في إبانها، وجاء هذا الرسول في وقته، وجاءت هذه الصحف وما فيها من كتب وحقائق وموضوعات لتحدث في الأرض كلها حدثاً لا تصلح الأرض إلا به. فأما كيف كانت الأرض في حاجة إلى هذه الرسالة وإلى هذا الرسول فنكتفي في بيانه باقتطاف لمحات كاشفة من الكتاب القيم كتبه الرجل المسلم السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي بعنوان: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين.. وهو أوضح وأخصر ما قرأناه في موضوعه: